الهدنة مع حماس – فقط في الأحلام
إن حركة حماس غير مستعدة الآن، لأسباب أيديولوجية، لإجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل. وانطلاقاً من هذا الأمر فإن مهمة الحوار توضع بين أيدي أشخاص لهم مصالحهم الخاصة في ذلك. وبالنسبة للوسطاء، فإن مهمة إقصاء قضية غزة عن جدول الأعمال الإقليمي على الأمد القريب يساوي ثمن اندلاع موجة عنف بعد عدة سنوات. ففي نهاية المطاف فإن الأنفاق الهجومية ورشقات الصواريخ ليست موجهة إلى الدوحة أو إلى القاهرة.

التقارير الواردة من غزة لا تشي ولو بلحظة واحدة من الهدوء. والعناوين حول التصعيد على امتداد السياج الحدودي والخوف من الانهيار الاقتصادي قد حلت محل الأخبار عن "الهدنة" الوشيكة التي ستجلب الهدوء المطلق على الحدود الجنوبية وتوقف ليس فقط رشقات الصواريخ والموجات البشرية التي تندفع باتجاه السياج بل أيضاً الطائرات الورقية الحارقة التي تضرم النار في مستوطنات منطقة "غلاف غزة".
لقد نقلت حركة حماس إلى إسرائيل، حسب ما تطلعنا عليه وسائل الإعلام، قبل عدة أشهر رسائل حول رغبتها في إجراء مفاوضات بهدف التوصل إلى هدنة طويلة، والتي يتم في إطارها رفع الحصار الإسرائيلي المصري عن قطاع غزة ويُسمح بتدفق الأموال لترميم الاقتصاد الغزي، وبالإضافة إلى ذلك، وهو الأمر الأهم، تعيد حماس إلى إسرائيل الإسرائيليين المفقودين وجثث جنودها الموجودين لدى الحركة. وكما تطلعنا وسائل الإعلام فإن إسرائيل هي من تماطل وتمتنع عن تقديم إجابة لحماس، وهي تؤخر بذلك اتمام الصفقة المقترحة.
إلا أنه يجب التذكير أن فكرة الهدنة لا تحمل أي جديد. ومن ذلك على سبيل المثال أن مؤسس الحركة أحمد ياسين كان قد اقترح هدنة لمدة عشر سنوات مقابل انسحاب إسرائيل الكامل إلى حدود عام 1967. أي أن هذه الحركة لم تكن مستعدة، حتى مقابل إقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل منذ حرب الأيام الستة، للاعتراف بوجودها والتوصل إلى اتفاق سلام معها.
وليس من قبيل الصدفة أن حماس تستخدم مصطلح "الهدنة"، الذي يضرب جذوره في التراث الإسلامي والذي يعني وقف الجهاد ضد "الكفار"، عندما يكونوا هم أصحاب اليد العليا، بهدف فسح المجال أمام المسلمين للاستعداد وتنظيم أنفسهم من جديد لمواصلة القتال. وتريد حماس عن طريق إطلاق فكرة الهدنة ليس فقط التعبير عن هويتها الإسلامية بل أيضاً عدم استعدادها للتوصل إلى سلام مع إسرائيل – ناهيك عن عدم الاعتراف بها – والتأكيد ضمن ذلك على التزامها باستمرار النضال التاريخي ضد إسرائيل، حتى وإن لم يكن الآن.
إن حركة حماس غير مستعدة الآن، لأسباب أيديولوجية، لإجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل. وانطلاقاً من هذا الأمر فإن مهمة الحوار توضع بين أيدي أشخاص لهم مصالحهم الخاصة في ذلك. وبالنسبة للوسطاء، فإن مهمة إقصاء قضية غزة عن جدول الأعمال الإقليمي على الأمد القريب يساوي ثمن اندلاع موجة عنف بعد عدة سنوات. ففي نهاية المطاف فإن الأنفاق الهجومية ورشقات الصواريخ ليست موجهة إلى الدوحة أو إلى القاهرة.
هذا ومن الصعب أن نرى حركة حماس، مثلما هو حال حزب الله – الذي يحافظ خلال العقد الأخير على الهدوء على امتداد الحدود الشمالية – وهي تعلن على رؤوس الأشهاد التخلي عن نهج "المقاومة". ومن الصعب أن نراها وهي تفرض رأيها على مختلف الفصائل العاملة في القطاع، والأصعب من ذلك أن نراها وهي تتخلى عن مخزون الصواريخ وعن القوة العسكرية التي راكمتها. وفي المقابل فإن الهدنة مع حماس تعني توجيه ضربة للسلطة الفلسطينية وتبعث برسالة إلى المجتمع الدولي بأن أي استثمار اقتصادي في غزة يجب من الآن وصاعداً أن يتم تنسيقه مع حركة حماس. ليس بوصفها صاحبة سيادة الأمر الواقع بل أيضاً بوصفها الحاكم الشرعي في القطاع.
إلى جانب ذلك فإنه من المناسب أن نتذكر أن الدعوة إلى الهدنة ليست الشيء الوحيد الذي نسمعه من قطاع غزة. ففي الأسبوع المنصرم فقط أجرى يحيى السنوار، زعيم حركة حماس في غزة، مقابلة مع قناة الميادين أثنى فيها على علاقات الحركة مع حزب الله والتي هي، حسب قوله، أفضل من أي وقت مضى. وكذلك أثنى على علاقاتها التي تزداد قوة مع الحرس الثوري ومع قاسم سليماني، رجل إيران في المنطقة.
هناك بين إسرائيل وبين حماس هدنة غير معلنة وهشة، وذلك خلال السنوات الأربع الأخيرة منذ عملية "الجرف الصامد". وسياسة إسرائيل تقوم على ضمان الهدوء حتى بثمن استمرار حكم حركة حماس في القطاع ولكن بدون إعطائها أي هدايا مجانية. وكدليل على ذلك فإن حماس قد امتنعت، حتى في أيام المواجهات على امتداد السياج الحدودي، عن إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل.
وفي مقابل ذلك فإنه يجب، عبر طرق تلتف على حماس، القيام بمشاريع تفضي إلى استقرار الوضع الاقتصادي في قطاع غزة. ومهما يكن من أمر فإن فكرة الهدنة لن تثمر أي شيء.
ترجمة: مرعي حطيني