وقف إطلاق نار في غزة، لأن للأمل قيمة
يقترح بعض الوزراء وأعضاء الكنيست قتل مطلقي هذه الطائرات، بالإضافة إلى تصفية قادة حركة حماس والدخول من جديد إلى وكر الأفاعي في غزة. كما أن أعضاء في الطاقم الوزاري المصغر، ولدوافع نزيهة، يقومون بتسريب موقف جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) وهم بذلك يمزقون المسؤولية الجماعية التي تشكل الأساس للقدرة على اتخاذ القرارات المسؤولة والمدروسة.
لقد خلقت أحداث الشهور الأخيرة في منطقة غلاف غزة شعوراً بالضيق لدى الكثيرين من المواطنين الإسرائيليين. إذ ساد شعور وكأن قيادة حركة حماس هي التي تدير دولة (إسرائيل) والجيش الإسرائيلي بواسطة الطائرات الورقية الحارقة. كما أن مشاهد الحقول المحروقة، والأطفال في رياضهم تحت التهديد، تثير رغبة طبيعية وصحيّة لتعليم (العدو) درساً لا يُنسى، وللردع والانتقام وتحقيق النصر.
يقترح بعض الوزراء وأعضاء الكنيست قتل مطلقي هذه الطائرات، بالإضافة إلى تصفية قادة حركة حماس والدخول من جديد إلى وكر الأفاعي في غزة. كما أن أعضاء في الطاقم الوزاري المصغر، ولدوافع نزيهة، يقومون بتسريب موقف جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) وهم بذلك يمزقون المسؤولية الجماعية التي تشكل الأساس للقدرة على اتخاذ القرارات المسؤولة والمدروسة. واليسار الذي ضل طريقه منذ فترة طويلة في متاهة الواقع يرتدي لبرهة برقع اليمين.
إن القيادة الحقيقية لا تمتلك ترف اتخاذ القرارات بما ينسجم مع الميول العاطفية، بما في ذلك المشاعر الوطنية والكرامة القومية، رغم كل الأهمية التي تتمتع بها. فالمشاعر هي أسوأ مستشار عندما يكون الحديث يدور عن مشاكل معقدة، وبخاصة تلك التي ترتبط بحياة البشر. والامتحان الرئيسي للزعامة يكمن في قدرتها على اتخاذ قرارات غير شعبية، وكيف تعرف الصمود أمام مشاعر الجماهير وإظهار الشجاعة في مواجهة طوفان النصائح والألم، التي تستند جميعها إلى معلومات جزئية فقط.
الواقع في منطقتنا معقد جداً. ومن المناسب أن يتم التعامل معه من قبل أشخاص يتمتعون بمهارات لاعبي الشطرنج الذين يرون الكثير من الخطوات إلى الأمام، وليس رؤوس أنوفهم فقط. إن ثمن الدخول البري إلى غزة باهظ جداً. وهؤلاء الذين اقترحوا الدخول بكامل القوة سيقومون، بعد سقوط أول قتيل، بالاختباء وراء ظهر رئيس الحكومة ووزير الأمن ورئيس هيئة الأركان.
لقد دخلنا في الماضي مرات كثيرة إلى غزة وخرجنا منها بدون جدوى. وحصلنا على هدوء مؤقت بثمن باهظ. إن بوسع طائرة واحدة أن تقتل الكثير من مطلقي الطائرات الورقية، إلا أنه في واقع تتمنى فيه الأمهات أن يصبح أبناؤهن شهداء فإن هذا الأمر لا يكفي لتحقيق الردع لفترة زمنية طويلة. كما يمكن القيام بعمليات اغتيال موضعية ولكن من سيشد على أيدينا عندما يأتي مكانهم من هم أشد تطرفاً؟
قبل الشروع في معركة شاملة مليئة بالدماء والنار يجب إبداء الكثير من الحكمة والرصانة لفكرة محاولة تجريب اتجاه جديد. وهي المحاولة التي يمكن لها أن تؤثر على مستقبل علاقاتنا مع الفلسطينيين في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) بعد إصدار شهادة وفاة السلطة الفلسطينية الآخذة بالاقتراب. وهذه المحاولة تبدأ بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وتلي ذلك محاولة للتهدئة، ومحاولة لإجراء حوار مع سكان القطاع من فوق رأس زعامتهم التي تجرهم إلى غياهب القمع واليأس.
ربما يدرك الغزيون عبر هذا الطريق أنهم قد أصبحوا عبيداً مستسلمين في خدمة آلة الخبث والشر. وهذه المحاولة ضرورية وحيوية أيضاً استعداداً للحالة التي تكون فيها حاجة للقيام مرة أخرى بمعركة في غزة وتحقيق النصر فيها، ذلك لأن الحرب والسلام يُصنعان من خلال إجماع وطني واسع.
هذا ويعمل ممثلو الإدارة الأمريكية في هذه الأيام بدأب شديد قبيل عرض خطة للسلام، أو لشديد الأسف، من أجل تسوية ما يشارك فيها الكثير من الجهات الهامة والوازنة في منطقتنا. ويُحظر تماماً على إسرائيل، مع اقتراب لحظة الحقيقة، أن تضع عائقاً أمام هذا الأمر عن طريق البدء بعمل عسكري. فللأمل قيمة أيضاً في مثل هذه الأيام.
ترجمة: مرعي حطيني